قصص من التراث الشعبي اليافعي " صَدَق الذي سمَّاك مُتْبُق "

 صَدَق الذي سمَّاك مُتْبُق!

__________________ 

قصة من التراث الشعبي اليافعي

________________________

كتبها: نادر سعد العُمَري

___________________


___________________


(مُتْبُق) شاب نشأ يتيم الأب، واعتنت به أمه حتى بلغ مبلغ الرجال، ولكنه كان ساذجًا لا يحسن التصرف، وكلما حاول أن يتعلم مهنة لم يحسنها.. وكانت أمه قلقة على مستقبله، ولا تدري كيف تحل مشكلته؟!. ومع مرور الأيام جمعت له عشرين قرشًا فضيًّا لعله ينتفع بها، وأمرتْه أن يذهب إلى السوق لشراء بقرة كي ينتفع بلبنها وما تنتجه من عجول، وقالت له: "يا مُتْبُق.. خذ القروش العشرين واذهب إلى السوق واشترِ رأس بقر".


وفي الطريق مرّ بخرابة ووجد فيها سِحلية (تسمى: الحوّاني) تحرك رأسها، فسلّم عليها، فحركت رأسها، وقال: كيف حالك؟ فحركت رأسها.. ثم قال: هل تحتاجين إلى المال؟ فحركت رأسها.. فأخرج لها من كيسه عشرة قروش وتركهن بجوارها وانصرف.


وفي السوق بحث عن (رأس البقر) فوجد جزارًا ذبح بقرة، فاشترى منه الرأس بقرش واحد، وعاد به إلى أمه محمولا على ظهره. فلما رأته أمه صاحت: أين البقرة؟! قال لها: أنتِ طلبتِ رأس بقر.. وهذا رأس البقر..!. فقالت: يا غبي إنما قصدت بقرة تنفعك وليس رأسها وحده!.. ثم قالت: أين بقية المال الذي أعطيتك؟ فأعطاها تسعة قروش.. فسألته عن القروش العشرة الباقية، فقال: وجدت سحلية محتاجة في الطريق فأعطيتها القروش. فصاحت أمه تندب حظها العاثر معه.. ولوّحت له بالعصا وهددته بالضرب والطرد من البيت إذا لم يذهب إلى حيث السحلية ويرجع المال.


عاد مُتْبُق إلى المكان، لكنه وجد السحلية (الحوّاني) ولم يجد المال، فطلب من السحلية أن ترد له المال، وأخبرها أن أمه هددته بالضرب والطرد من البيت إذا لم يرجعها.. واقترب من السحلية فهربت منه، وأخذ يطاردها بين الصخور حتى دخلت من سرب بين الحصى، فأخذ يحفر بحثًا عنها حتى وجد صخرة كبيرة، فأخذ يحفر حولها ويزحزحها، فانكشفت له تحتها قِدْر نحاسية كبيرة مليئة بالقروش الفضية!.. وصاح مُتْبُق: "آه منك يا حوّاني.. تضحك عليّ وتقول إنك محتاج، وأنت تملك كل هذه القروش.. أكيد عندك تجارة كبيرة، وإلا كيف جمعت هذا المال؟".. ومد يده إلى القِدر وأخذ منه عشرة قروش بدلاً عن التي أعطاها للسحلية، وغطى على القِدْر وأعاد دفنه وعاد إلى أمه.


حكى لأمه ما رأى.. وقص عليها قصة الثروة الكبيرة التي يملكها الحوّاني.. فطلبت منه أمه أن يدلها على المكان، فأخذها إلى هناك وشاغلته حتى جنّ الليل فحملت صُرّتها (كيس كبير من الجلد لحمل الأشياء) على ظهرها وذهبت إلى الخرابة واستخرجت الكنز، وعادت إلى بيتها وخبأته بعيدًا عن نظر ولدها مُتْبُق.


فكرت الأم أن ابنها لن يخفي على الناس سر القروش التي وجدها في الخرابة، وأن هذا سيسبب لها المشاكل، ففكرت بحيلة ذكية، وطبخت قِدْرًا كبيرة من (الصَّعَة) -وهي مشروب ثخين يُطبخ من لبن البقر المخلوط بدقيق الذُّرة أو الدُّخْن- ثم خرجت إلى مُتْبُق وأيقظته من نومه وقالت: "يا مُتْبُق.. انتبه تخاف.. الليلة ستمطر السماء صعة.. خذ الصحن واخرج إلى (الحوش) حتى تأخذ نصيبك من الصَّعة". وغافلته أمه وصعدت بالقِدْر إلى السطح، وأخذت ترش الحوش بالصَّعَة من الأعلى ومُتْبُق يصيح: "السماء تمطر صَعَة.. السماء تمطر صَعَة.."، وهو يتابع القطرات بصحنه ويلحس ما يقع منها على ثيابه وبدنه.


وفي الصباح خرج مُتْبُق إلى السوق وأخبر الناس بقصة الحوّاني الثري والقِدْر المليئة بالقروش، فسمع به قاضي البلدة، فاستدعاه واستدعى أمه ليحقق في الأمر، فسأل مُتْبُق عن الخبر، فقص عليه ما رأى.. وقال له القاضي: "هل لك من دليل على كلامك؟"، فقال مُتْبُق: "نعم.. الأمارة أن السماء البارحة أمطرت صَعَة".. فضحك القاضي ساخرًا منه وقال: "صدق الذي سمّاك مُتْبُق".

إرسال تعليق

0 تعليقات